الحلقة الثانية من كتاب الدكتور أحمد مختار لوح : “محطة عن تاريخ كوكي ومؤسسها الشيخ مختار نمب جوب وإسهاماته من أجل العلم والعبادة” .

0
197

كتب / محمد الأمين غي.

عندما نتحدث عن التراث السنغالي، يجب علينا العودة إلى الجذور التاريخية التي كان الأجداد يعيشون فيها من حيث الزمان والمكان، وهذا كاتبنا القدير يقف على سيرة أحد الشخصيّات الدينيّة في القرن الثامن عشر وهو جدّ “الكُوكيّين” والذي وصفه بالطائر الصيت لهذه الأسرة العريقة في منطقة انجامبور وبعض من أجزاء بَوَلْ وكَجُورْ وهو الشيخ مختار نُومْبِ جُوبْ مؤسس مدرسة كوكي القديمة رحمه الله وأسبغ عليه شٱبيب الرحمة والمغفرة.

الحديث عن شخصيّة الشيخ مختار نومب جوب المرجع الأساس لأسرة “جوب” العريقة من حيث النسب ليس من السهل أن يتطرق فيه كاتب أو مؤرخ دون الحصول على معلومات موثقة ودقيقة تساعده في تحريره من كل مصداقية، بعيدة عن العاطفة الجياشة التي غلبت على معظم كتّاب العصر.

في الفصل الثاني من كتابه ، يتحدث الدكتور أحمد المختار لوح عن تاريخ مدينة كوكي من حيث النشأة في عام 1726 و سرد سيرة مؤسسها وبعض من أبنائه وخلفائه والظروف الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية التي عاشوها من أجل وضع حد على سلطة “تيدو CEEDO” وتوسيع رقعة الإسلام في عموم منطقة جُلُفْ وكجُور وانجامبور.

تناول الكاتب من حيث السِّياق التّاريخي تضارب الٱراء حول جذور تسمية كوكي بهذا الاسم معتمدا على عدة أقوال صدرت من مؤرخين وباحثين جامعيّين من بينهم المؤرخ والأنتربلوجي السنغالي شيخ أنت جوب والبروفيسور الحاج روحان امباي محللا هاتين الرّؤيتين تحليلا منطقيا.

رغم صدور هذه الٱراء من باحثين مشهورين في علم الاجتماع والأنتربلوجيا، إلا أن الكاتب اعتمد على الرّأي الأغلب والأرجح من ذوي سكان هذه المنطقة ومن بني جلدة مؤسسها الشيخ مختار نومب جوب.

وتتمثل هذه الرؤية الثالثة في أن تسمية كوكي بهذا الاسم سببه يرجع إلى أصوات وإيقاعات (كوك ، كوك، كوك) الناجمة من دوي قطع الأشجار، وتسويتها تمهيدا للإقامة الدائمة على تلك الأراضي، واسمها الحقيقي في رأي هولاء – وهو الأغلب والأرجح – “المدينة المنورة” تيمنا بمهجر الرسول صلى الله عليه وٱله وسلم، ومع مرور الأيام اختفى هذا الاسم، لصالح هذا الوصف ” .(راجع كتاب “من رواد التعليم العربي الإسلامي ” للدكتور جيم عثمان درامي ص 32).

يواصل كاتبنا القدير في سرد سيرة ذاتية للشيخ مختار نومب جوب من حيث نشأته العلمية وتأسيسه لمدرسة كوكي أو جامعة “كوكي” التي كان مرجعا أساسيا لطلبة العلوم و من ينتمون إلى طبقة المشيخة في شتى بقاع السنغال غربا وشرقا شمالا وجنوبا بعد مدرسة بير القديمة.

هذا الوصف الدقيق لمدرسة كوكي مبنيا على نظرية الباحث السنغالي الحاج روحان امبي الذي ذكره كما هو وارد في هذا الكتاب قائلا : “لابد من الإشارة إلى أن “كوكي” كانت عاصمة الأرستقراطية المسلمة في منطقة انجامبور، والتي يسيرها الفقهاء وعلماء الدين “. (راجع هذه المقولة في كتابه : العالم الكبير الحاج مالك سه : ص 88) .

ويذكر كاتبنا القدير خلفاء الشيخ مختار نومب جوب بالتسلسل منذ عام وفاته سنة 1783 إلى وقتنا الراهن، كما وقف على نظام بلدة كوكي بعد وفاة مؤسسها، مشيرا إلى الاضطرابات الداخلية في كجور التي تزامنت مع نجاح خريجي “بير” و”كوكي” ، التي ساهمت كثيرا على توسيع دائرة الاسلام في هذه المنطقة ومحاربة سلطة “تيدو Ceddo” .

تجدر الإشارة هنا، إلى أن أبرز إنجازات الشيخ مختار نمب جوب من حيث العلم والتأليف، نشرها أبناؤه وأحفاده وحتى طلبة العلوم الذين تخرجوا من مدرسته “كوكي القديمة” ، ومن أبرزهم العلاّمة مور خج كمب جوب مؤلف “مقدمة الكوكي” في علم النحو واللغة، والعلامة مرم جوب اللّذان شاركا في إسهامات كبيرة على نشر العلم (راجع ترجمة سيرتهما الذاتية في الكتاب -ص 105 إلى 110) .

لم يكتف الكاتب بذلك، بل تطاول الحديث عن الفتن الداخلية التي وقعت بين أبناء الدارات بأنفسهم وبينهم والمستعمر الفرنسي من جهة أخرى في هذه المنطقة ، ومن أبرزها ، معركة “نيومري ” التي دارت بين أبناء الدارات و المستعمر ، والتي انتهت أخيرا إلى تدمير قرى ومراكز علمية في هذه المنطقة ونفي بعض من رجالها إلى غابون كما سلف ذكره في الحلقة الأولى.

ومن المعارك التي وقعت بين أهالي هذه المنطقة، والتي وصفها الكاتب بحروب أهلية، معركة “جقور caquur” ، وفتنة “صامب ساج Samba saajo” وهذه وغيرها من الاضطرابات السياسية التي عاشتها هذه المنطقة بالإضافة إلى الحالة الاجتماعية والاقتصادية الركيدة التي أسفرت نتائجها بأزمات داخلية.

كما اهتم الكاتب في الحديث عن الحالة الثقافية والعلمية في منطقة انجامبور وكجور، لجهود الشيخ مختار نمب جوب في توسيع ٱفاقها من حيث الدراسة والتدريس والبحث العلمي، ونتجت منها مراكز تعليمية فرعية من مدرسة كوكي القديمة .

يلاحظ في الفصل الثاني، أن الكاتب اعتمد كثيرا على المراجع التالية :

-“تحرير الأقوال في تاريخ السنغال ” للشيخ التجاني توري.
-“العالم الكبير الحاج مالك سه ” للدكتور روحان امبي.
-“مدرسة كوكي الإسلامية ومؤسسها مختار ندومبي” بقلم الأستاذ الباحث مصطفى شيخ قجّ لي.

كما أضاف فيها تقارير ومتابعات من وثائق المستعمرين لتحديد حالة منطقة انجامبور في ظلال نهاية القرن الثامن عشر إلى بداية التاسع عشر التي شهدت أيضا بعض من إيقاعات لمد جذور الثقافة الإسلامية ..

في ختام هذه المرحلة، يرى الباحثون فائدة إطلاق عبارة “مدرسة كوكي القديمة والحديثة ” وعلاقتهما من حيث المناهج التعليمية والأهداف المنشودة، ويعطي لبلدة كوكي قيمة أكثر على غرار كبرى المراكز التعليمية في السنغال .

هذا، ونضرب لكم موعدا في الحلقة الثالثة من هذا الكتاب، والذي يتناول فيها ظروف تأسيس مدرسة كوكي الحديثة من طرف الشيخ أحمد الصغير لوح رحمه الله .

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici